نجوم ثنائية نادرة: اكتشاف جديد

اكتشاف نظام نجمي ثنائي نادر: نظرة معمقة على PSR J1928+1815
مقدمة: رحلة إلى أعماق الكون
يُشكل الكون بِسِعته الهائلة وعجائبه المتعددة مصدرًا لا ينضب للإلهام والبحث العلمي. وفي هذا السياق، يُسجل علماء الفلك اكتشافاتٍ جديدةٍ باستمرار، تُسهم في فهمنا المتزايد لطبيعة الكون وتطوره. يُسلط هذا المقال الضوء على اكتشافٍ فلكيٍّ هامّ، ألا وهو نظام نجمي ثنائي نادر، يُثير اهتمامًا كبيرًا لدى الباحثين، ويفتح آفاقًا جديدةً في دراسة النجوم النابضة وتطور النجوم الثنائية.
النجم النابض PSR J1928+1815: قلبٌ من نيوترونات
يقع هذا النظام النجمي الثنائي على بُعد حوالي 455 سنة ضوئية من كوكب الأرض، ويُشكل النجم النابض PSR J1928+1815 محور هذا الاكتشاف المثير. النجم النابض، كما يُعرف، هو بقايا نجم ضخم انهار على نفسه في انفجار مستعر أعظم هائل. تُعتبر قوة الجاذبية الهائلة في بقايا هذا النجم كافية لسحق البروتونات والإلكترونات لتكوين نيوترونات، مما يجعل النجم النيوتروني – وهو ما يُمثل النجم النابض – كثيفًا بشكل لا يُصدق. يُقدر العلماء أن النجم النابض PSR J1928+1815 قد وُلد من نجم أزرق ساخن، تزيد كتلته عن ثمانية أضعاف كتلة شمسنا.
النبضات الراديوية: إشارات من الكون البعيد
تتميز النجوم النابضة بِدورانها السريع، حيث تُصدر حزمًا من الموجات الراديوية من أقطابها المغناطيسية. يُلاحظ علماء الفلك هذه الحزم على شكل نبضات، وذلك لأنهم لا يرونها إلا عندما يكون قطب النجم النابض موجهًا نحو الأرض. يُعتبر هذا النجم النابض من فئة "الملي ثانية"، مما يعني أنه يدور بسرعة هائلة، تقارب 100 دورة في الثانية.
الرفيق الهيليومي: رقصٌ كونيٌّ وثيق
باستخدام تلسكوب "FAST" الراديوي الكروي ذي الفتحة الكروية، وهو أكبر تلسكوب أحادي الطبق في العالم، تمكن علماء الفلك من اكتشاف رفيقٍ للنجم النابض PSR J1928+1815. هذا الرفيق هو نجم هيليوم، تبلغ كتلته ما بين 1 و 1.6 ضعف كتلة الشمس. مما يميز هذا النجم هو فقدانه لمعظم، إن لم يكن كل، طبقاته الخارجية من الهيدروجين، تاركًا وراءه نواةً تتكون أساسًا من الهيليوم.
مدارٌ وثيقٌ: رقصةٌ قريبةٌ جدًا
تبلغ المسافة بين النجمين في هذا النظام الثنائي حوالي 700 ألف ميل (1.12 مليون كيلومتر)، وهي مسافة تُعتبر قريبة جدًا، حوالي 50 مرة أقرب من مسافة عطارد عن الشمس. يُكمل النجمان دورتهما حول بعضهما البعض في زمنٍ قصير جدًا، لا يتجاوز 3.6 ساعات. هذه القُرب الشديد يُعتبر من العوامل الأساسية في فهم ديناميكيات هذا النظام النجمي الثنائي النادر.
مرحلة الغلاف المشترك: تفاعلٌ نجميٌّ هائل
أشارت الأبحاث السابقة إلى أن النجوم النابضة من فئة الملي ثانية، خلال تفاعلها مع رفاقها، قد تمر بمرحلة تُعرف بـ"الغلاف المشترك". في هذه المرحلة، يدور النجم النابض داخل الطبقات الخارجية لرفيقه، مما يُؤدي إلى تفاعلاتٍ نجميةٍ معقدة. يُعتبر اكتشاف هذا النظام الثنائي دليلًا قويًا على حدوث هذه المرحلة الغلاف المشترك، وهو أمرٌ لم يُرصد من قبل بشكل مباشر.
نمذجةٌ حاسوبيةٌ: إعادة بناء قصة تطور النظام
استخدم الباحثون نماذج حاسوبية متقدمة لإعادة بناء قصة تطور هذا النظام النجمي الثنائي. تشير هذه النماذج إلى أن النجمين بدأا على بُعد ضعف المسافة بين الأرض والشمس، ثم بدأ النجم النابض بسحب الطبقات الخارجية لرفيقه، مشكلاً غلافًا مشتركًا حولهما. بعد حوالي 1000 عام، دار النجم النابض حول مركز شريكه، مما أدى على الأرجح إلى قذف ما تبقى من هذا الغلاف بعيدًا، تاركًا وراءه النظام الثنائي المتماسك الذي نراه اليوم.
ندرةٌ كونيةٌ: أعدادٌ قليلةٌ في مجرة درب التبانة
بناءً على تقديرات العلماء لعدد النجوم الثنائية في مجرة درب التبانة التي تُشابه هذا النظام المكتشف حديثًا، يُشير الباحثون إلى احتمال وجود ما بين 16 و 84 نجمًا فقط مُشابهًا للنجم PSR J1928+1815 ورفيقه في مجرتنا. هذا الرقم يُعتبر ضئيلًا جدًا مقارنةً بعدد النجوم الهائل في مجرة درب التبانة، والذي يُقدر بما بين 100 و 400 مليار نجم.
خاتمة: آفاقٌ جديدةٌ للبحث الفلكي
يُمثل اكتشاف نظام PSR J1928+1815 خطوةً هامةً في فهمنا لتطور النجوم الثنائية والنجوم النابضة. يُفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدةً للبحث الفلكي، ويُحفز العلماء على مواصلة دراسة هذه الأنظمة النجمية النادرة لفهمٍ أعمق لأسرار الكون وعجائبه. إنّ التقدم في تقنيات التلسكوبات الراديوية، مثل تلسكوب FAST، يُسهم بشكل كبير في هذه الاكتشافات، وواعدٌ بمزيد من الاكتشافات المذهلة في المستقبل.