ثورة الذكاء الاصطناعي: الرؤساء التنفيذيون يتبنون "الأفاتار" في مكالمات الأرباح

تُشهد ساحة التكنولوجيا العالمية تطوراً مذهلاً في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، متجاوزةً بذلك حدود التطبيقات التقليدية لتصل إلى مستويات غير مسبوقة. ففي خطوةٍ تُعتبر بمثابة نقلة نوعية، لجأ العديد من الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا العملاقة إلى استخدام نسخ افتراضية لأنفسهم، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، في تقديم تقارير الأرباح وعرض نتائجها للمستثمرين. وهذا التوجه الجديد يثير تساؤلاتٍ حول مستقبل التواصل المؤسسي، وكيفية تأثير هذه التقنيات على العلاقة بين الشركات وجمهورها.

كلارنا: سيمياتكوفسكي الافتراضي يعلن النتائج

شركة كلارنا، الرائدة في مجال خدمات الدفع الفوري، كانت من أوائل الشركات التي تبنت هذه التقنية الجريئة. ففي تقرير أرباح الربع الأول من عام 2025، ظهر سيباستيان سيمياتكوفسكي، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك للشركة، ليس بشكلٍ جسدي، بل من خلال "أفاتار" رقمي مُولّد بالذكاء الاصطناعي. وقد لاقى هذا الفيديو، الذي بلغت مدته 83 ثانية، انتشارًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، مُثيرًا جدلاً واسع النطاق حول فعالية هذه الاستراتيجية الجديدة.

أبعاد استراتيجية كلارنا

لم يكن استخدام كلارنا لأفاتار سيمياتكوفسكي قرارًا عشوائيًا، بل جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا تتبنى الشركة من خلالها الذكاء الاصطناعي لتحسين عملياتها. فقد سبق أن صرّح سيمياتكوفسكي لشبكة CNBC بأن الشركة قامت بتقليص عدد موظفيها بفضل الاستثمارات الكبيرة في الذكاء الاصطناعي، مُشيرًا إلى قدرة هذه التقنيات على تعزيز الكفاءة وتقليل التكاليف. ولا يُعدّ هذا أول ظهور لأفاتار سيمياتكوفسكي، حيث سبق واستُخدم في مناسباتٍ سابقة لعرض نتائج الشركة. يُبرز هذا التوجه التزام كلارنا بالابتكار، ورغبتها في استغلال أحدث التقنيات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

زووم: يوان الافتراضي يُشارك في مكالمة الأرباح

لم تكن كلارنا وحدها التي اعتمدت على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مكالمات الأرباح. فقد سارت شركة زووم، عملاق تطبيقات الاتصال المرئي، على نفس النهج، مُستخدمةً نسخةً افتراضية من الرئيس التنفيذي إريك يوان في تقرير أرباح الربع الأول من عام 2026. وقد استخدم يوان ميزة "Zoom Clips" المدعومة بـ "AI Companion" لتقديم جزءٍ من تقرير الأرباح بصورةٍ افتراضية.

مُشاركة يوان الحقيقية في جلسة الأسئلة والأجوبة

على الرغم من استخدام أفاتار رقمي لعرض جزءٍ من تقرير الأرباح، إلا أن إريك يوان شارك شخصيًا في جلسة الأسئلة والأجوبة، مُجيبًا على استفسارات المُحللين والمستثمرين. وقد عبّر يوان عن إعجابه الشديد بتجربة استخدام الأفاتار، مُشيرًا إلى احتمالية استمرار الشركة في استخدام هذه التقنية في المستقبل. وهذا يُشير إلى أن استخدام الأفاتار لا يُقصد منه استبدال التواصل البشري بشكلٍ كامل، بل يُعتبر أداةً مُكمّلة تُعزز من كفاءة عملية تقديم التقارير.

التحديات الأخلاقية والقانونية

على الرغم من الفوائد المحتملة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مكالمات الأرباح، إلا أن هذه التقنية تُثير بعض التحديات الأخلاقية والقانونية. فمن المهم ضمان شفافية استخدام هذه التقنيات، وإعلام المُستثمرين بوضوح عن استخدام أفاتار رقمي، وذلك لتجنب أي سوء فهم أو تضليل. كما يجب الاهتمام بالجوانب القانونية المتعلقة بمسؤولية الشركة عن المعلومات التي يُقدمها الأفاتار، وذلك لضمان دقة المعلومات وعدم تضليل المستثمرين.

الشفافية والمصداقية: ركيزتان أساسيتان

يُعتبر الشفافية والمصداقية من أهم الركائز التي يجب التأكيد عليها عند استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التواصل المؤسسي. يجب على الشركات أن تُوضح بكل وضوح كيفية استخدامها لهذه التقنيات، وأن تُقدم المعلومات بصورة دقيقة ومُوثوقة. أي محاولة للتلاعب أو التضليل ستُؤدي إلى خسارة ثقة المستثمرين، وهذا سيُلحق ضررًا بصورة الشركة وسُمعتها.

مستقبل التواصل المؤسسي في ظل الذكاء الاصطناعي

يُمثل تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في مكالمات الأرباح علامة بارزة على تطور التواصل المؤسسي في العصر الرقمي. فمع تطور هذه التقنيات، من المتوقع أن نشهد تغييرات أكثر جذرية في كيفية تواصل الشركات مع المستثمرين والجمهور. قد يُصبح استخدام الأفاتار الرقمي شيئًا شائعًا، وذلك لما يُوفره من مرونة وكفاءة في التواصل.

التحديات والفرص: رؤية متوازنة

يجب أن ننظر إلى هذا التطور بمنظور متوازن، مُدركين التحديات والفرص التي يُقدمها. فمن المهم استغلال إمكانيات الذكاء الاصطناعي للتحسين من كفاءة التواصل المؤسسي، مع الحفاظ على المبادئ الأخلاقية والقانونية. يُعتبر التوازن بين الابتكار والحفاظ على المصداقية من أهم المسائل التي يجب الاهتمام بها في هذا المجال المُتطور بسرعة.

الخاتمة: عصر جديد من التواصل المؤسسي

يُمثل استخدام الرؤساء التنفيذيين لأفاتار الذكاء الاصطناعي في مكالمات الأرباح بداية لعصر جديد من التواصل المؤسسي. وسيُحدد النجاح في هذا المجال بمدى قدرة الشركات على استغلال إمكانيات هذه التقنيات بصورة مسؤولة وأخلاقية، مُراعية للحفاظ على ثقة المستثمرين والمُتابعين. فالمستقبل يُشير إلى زيادة اعتماد الشركات على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين عملياتها وتواصلها، مما يُلزمها بالتأقلم مع هذا التغيير والتكيّف مع متطلباته.